حظر الأسلحة الكيميائية (مايقرب من 90 عاما على بروتوكول جنيف 1925)
في 6 فبراير/شباط 1918 وجهت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى الأطراف المشاركة في الحرب العالمية الأولى نداء علنياً شديد اللهجة ضد استعمال الغازات السامة. ووصفت هذه الغازات " بالاختراع الهمجي الذي يسعى العلم إلى تحسينه " , واعترضت " بكل القوة [التي نملكها ] ضد مثل هذه الحروب التي لا يمكن وصفها إلا بالإجرامية " , وحذرت آنذاك من " صراع سيتجاوز بهمجيته كل ما عرفه التاريخ حتى الآن. “
وفي العام نفسه كان عالم كيمياء اسمه " فريتز هابر " يحوز جائزة نوبل للكيمياء. وكان هابر متخوفاً من عجز الإنتاج الغذائي العالمي عن تلبية حاجات سكان العالم , فابتكر عملية لتحويل النتروجين الجوي إلى سماد زراعي. وأصبح اليوم التموين الغذائي لما يقدر بملياري شخص متعلقاً بهذه العملية.
إلا أن عبقرية هابر لم تتركز فقط على الإنتاج الغذائي. فقد ظن أن الكيمياء قادرة أيضاً على توفير حل لمأزق الخنادق الذي غرقت فيه الحرب العالمية الأولى. وإذ كان يؤمن بالامكانات التي قد يتيحها شكل جديد من الوسائل الحربية لعب دوراً محورياً في أول هجوم في التاريخ العسكري استخدمت فيه الغازات , يوم 22 أبريل/نيسان 1915، وفي ذلك اليوم ألقيت حوالي 150 طناً من غاز الكلور على جبهة " الفلاندر " في بلجيكا. ووصف موت مئات الجنود الذين قضوا اختناقاً وكأنه " غريق في أرض جافة "، وكان هذا إعلانا بتحطم مايحرّم استعمال السموم في الحرب, ولم يلبث أن تبعه لجوء طرفي النزاع إلى استخدام غاز الخردل الذي يحرق الجلد ويتسبب بفقدان البصر.
دعونا نتساءل سويّا عما كانت ستؤول إليه الحرب العالمية الثانية لو لم يستعد بروتوكول 1925 حظر الأسلحة السامة ؟ فبالرغم من الانتهاك السافر للعديد من المبادئ الإنسانية الأساسية خلال سنوات النزاع الست, آثرت كل الأطراف المتحاربة احترام بروتوكول 1925. قد يقال أن الخوف من الرد بالمثل كان الرادع الرئيسي. ومع أن هذا هو الأمر المرجحّ فالمهم, سواء أكان ذلك خوفاً من رد انتقامي أم لأي سبب آخر, فإن البروتوكول رسم حدوداً لم يجرؤ أي من المتحاربين على تجاوزها.
(للحديث بقية)
|